استطاع سامر سمعان، أن يصبح واحدا من أشهر فناني الأيقونة في سورية، عبر إنجازه أعمالا فنية مميزة حجزت لنفسها أمكنة في معظم الكنائس الدمشقية، قوامها الدقة والحرفية والأمانة حتى بات معروفا بكونه المهندس السوري الوحيد المختص بنقل الفن الكنسي بجمالية أخاذة.
بدأ سمعان تجربته مدفوعا بالرغبة في فهم عوالم الأيقونة وما وراء رموزها وإشاراتها إلى أن أبدع رسومات، يتجدد الإعجاب بها في مواسم الأعياد، منها أيقونات على سقف كنيسة سيدة دمشق، والمقدر بمساحة 80 مترا مربعا، إضافة إلى أعمال جدارية ضمن إطارات رخامية محفورة من النمطين البيزنطي والقريب من الواقع، كذلك قدّم سمعان أيقونة للبابا “يوحنا بولس الثاني” القديس الجديد في الكنيسة الرومانية الذي زار سوريا قبل سنوات.
وفي كنيسة يوحنا الدمشقي أبدع أقواس القبة، في حين أعطى كنيسة القديس جوارجيوس للروم الكاثوليك القبة مع منحنيات في الهيكل في زمن عجيب على حد وصفه “6 أيام”.
وفي كنيسة في منطقة مشروع دمر قدّم أكبر لوحة من الفسيفساء في الشرق الأوسط “30 متراً مربعاً” مع 75 لوناً، وتفنن في كنيسة كيرلس مع أيقونة القيامة “بطول مترين و40 سم”، التي لا تزال فكرة دخولها موسوعة غينيس للأرقام القياسية قائمة مع الإشارة إلى أن الوجوه فيها لا تتجاوز 7 سم مع 105 درجات لونية!.
فن روحي
هذه الإنجازات احتاجت جهدا كبيرا وإيمانا بالغاية التي تأتي الأيقونة من أجلها، يشرح سمعان في حديثه لـ “سبوتنيك” بأن الأيقونة فن روحي قبل كل شيء، انطلق من فكرة ظهرت لدى الكنيسة الأولى بضرورة للتعبير برسم عن السيد المسيح والسيدة العذراء وغيرهما من القديسين والقديسات لإحياء ذكراهم والتبرك بصورهم، تاليا الأيقونة تساهم في الصلاة والعبادة، وهناك أيقونات عبر التاريخ كانت لها عجائب كالشفاء من مرض بما تحمله من بركة وذكرى صاحبها وشفاعته كقديس أو قديسة، وهنا يبرز دور الرسام، والذي يفترض أن يكون مؤمناً ومتعمقاً بالمفاهيم اللاهوتية المسيحية لكونه صاحب رسالة، يقول سمعان: يجب أن يدرك رسام الأيقونة أن الرسالة التي يوصلها من خلال الشروط التي وضعتها الكنيسة لهذا الرسم، رسالة مقدسة، إذ يجب أن يتلقى المشاهد والمصلي روحانية وبركة من خلال رسمه بما يتضمنه من أعياد وأحداث وعجائب للسيد المسيح، الأيقونة أيضاً كتاب مفتوح أمام المؤمن، تعتمد على استحضار النص الإنجيلي والحدث من خلال الخط واللون، لذلك فهي تذهب بالعقل والقلب نحو عوالم روحانية عليا.
شروط محددة للرسم
وضعت الكنيسة عبر الزمن شروطاً لرسم الأيقونة، في البداية كان يُرسم المسيح بشخصية الراعي، يحمل خروفاً على كتفه كما في الآية “أنا الراعي الصالح وأنا أتيت إلى خاصتي”، مع بقية الرموز المسيحية كالسفينة والكرمة والصليب والكنيسة. يضيف سمعان: رسم المسيحيون الأوائل رموزهم على الجدران في المغارات والأقبية في الفترات التي تعرضت فيها المسيحية للاضطهاد، لكن فكرة الأيقونة اعتمدت أصلاً على “عجائبية المنديل الشريف التي لم تُرسم بيد”، عندما انطبعت صورة لوجه المسيح على منديل القديسة فيرونيكا، ورأت الكنيسة في ذلك مؤشراً للسماح برسم المسيح والعذراء وبقية القديسين.
لاحقاً ظهرت قواعد أكثر وضوحاً لشخصية المسيح “ضابط الكل”، فعلى صعيد اللباس مثلا، يرتدي الأحمر من الداخل، والأزرق من الخارج، يحمل الإنجيل بيده اليسرى ويبارك باليمنى، شعره بني كستنائي مع ملامح محددة لوجهه. يتابع الرسام: فيما بعد أصبح هناك مدارس لرسم الأيقونات، لكل منها شروط وخصوصية كالروسي والبلغاري والصربي واليوناني وهناك المحلي الأنطاكي، وما يرتبط بمدرسة القدس وصولاً لكنائس متنوعة كالنمط السرياني والقبطي والأرمني.
مدارس سوريّا
في سورية ظهرت المدرسة الحلبية للأيقونة، عبر أربعة أجيال “يوسف المصور وابنه نعمة الله، جرجس وحنانيا”، حيث اعتمدت الكنيسة هؤلاء كرسامين وانتشرت أعمالهم محلياً. وفي القرن الثامن عشر ظهرت المدرسة الدمشقية مع كيرلس الدمشقي وميخائيل الدمشقي، واللذين عرضت أعمالهما في كنيستي يوحنا الدمشقي وحنانيا. يضيف سمعان: لا يمكن أن ننسى المدرسة القدسية التي اتبعت طرقاً مختلفة في الرسم واهتمت بالزخرفة على الثياب، وفي مراحل مختلفة ظهرت مدرسة ميخائيل الكريتي في القرن التاسع عشر، لدينا أيضاً مدارس حمصية عرضت أعمال فنانيها في مدينة حمص وريفها وبعض الأديرة في معلولا وصيدنايا.
يرى سمعان بأن هذا التنوع خلق غنى في المدارس والفنانين، ومع أن هناك التزاماً بالمبادئ العامة لرسم الأيقونة لكن يوجد بالمقابل حرية في طريقة التعبير، لا تنفصل عن قيمة الأيقونة التي ترتبط أولاً بموضوعها، وهنا علينا أن نفرّق بين الفن المميز والشعبي، لذلك يجب أن يكون رسام الأيقونات متقناً وحذراً، لأن التشويه والخطأ غير مقبولين، كما أن الأيقونة ليست أداة للزينة أو الافتخار، ومن يفكر بها بهذه الطريقة فهو يقلل من شأنها.
فن بلا قيود
يتم رسم الأيقونة على ألواح خشبية، تعلّق على الجدران أو ضمن إطارات رخامية أو خشبية، ويمكن رسمها على الجدران بطريقة الفريسكو. ومن الطرق المتبعة اليوم حسبما يشرح سمعان، رسم جداريات أو أسقف عبر استخدام مادة الكانفز، وهو قماش مجهز يُرسم عليه ويُلصق على الجدار، وكما هو معروف يمكن توارث الأيقونة من جيل إلى آخر، ويصح تقديمها كهدايا في الأعراس والمناسبات.
يضيف سمعان لـ “سبوتنيك”: خلال طفولتي التقيت بخبراء من رومانيا، كانوا يرسمون جداريات باستخدام الكلس في إحدى الكاتدرائيات في مدينتي حماة، كنت أزورهم وأتعلم منهم مبادئ عامة. لاحقاً زار قبرص وروسيا واليونان للاطلاع، وفي دمشق تعلم من الفنان “الياس الزيات” أستاذ فن الأيقونة في سورية، ثم تطور عمله وحاول تمكين أسلوبه وأدواته. يقول أيضاً: أمضيت 33 عاماً في رسم الأيقونات، وهو فن صعب لا يجب الاستهانة به، البعض يظن أنه يقيد صاحبه، لكن هذا القيد غير موجود فعلياً، لأن شخصية الفنان ستظهر دوماً حتى مع تكرار العمل، وبعد تجربتي الطويلة ما زلت أشعر بالرهبة والخوف مع كل أيقونة.