20/10/2019 20/10/2019 يقول النبيُّ داودُ في سِفرِ المزامير: “إلى اللهِ تَرتاحُ نَفسي، ومِنهُ وَحدَهُ خلاصي، خالِقي هُوَ ومُخَلِّصي ومَلْجَأي فلا أَتَزَعْزَع… تَوَكَّلوا عَلَيْهِ أَيُّها الشَّعبُ وَافْتَحوا قُلوبَكُم لَهُ لأَنَّهُ مَلْجَأٌ لنا في كُلِّ حين… لا تَتَّكِلوا على الظُّلمِ وبالاختِلاسِ لا تَكسَبوا” (مز62). في هذه الظروفِ العَصيبَةِ، وفي كلِّ ظرفٍ، لَيسَ مَلْجَأٌ إلّا الله. الإنسانُ المَخلوقُ على صورَةِ...
20 Οκτωβρίου, 2019 - 22:22

صباح الأحد ٢٠ تشرين الأول ٢٠١٩، بعد الإنجيل، ألقى سيادة راعي الأبرشية المتروبوليت الياس الجزيل عظة جاء فيها: “ما حصل في الأيّام الماضية أحرق طرقات لبنان بعدَ غاباتِه وأحرَقَ قلوبَ اللبنانيّين، وعساه يحرقُ بعضَ الضمائر النائمة التي لا تأبهُ لا للمصلحة العامّة ولا للعطيّة الإلهيّة التي نحن مؤتَمنون عليها.

Διαδώστε:
صباح الأحد ٢٠ تشرين الأول ٢٠١٩، بعد الإنجيل، ألقى سيادة راعي الأبرشية المتروبوليت الياس الجزيل عظة جاء فيها: “ما حصل في الأيّام الماضية أحرق طرقات لبنان بعدَ غاباتِه وأحرَقَ قلوبَ اللبنانيّين، وعساه يحرقُ بعضَ الضمائر النائمة التي لا تأبهُ لا للمصلحة العامّة ولا للعطيّة الإلهيّة التي نحن مؤتَمنون عليها.

يقول النبيُّ داودُ في سِفرِ المزامير: “إلى اللهِ تَرتاحُ نَفسي، ومِنهُ وَحدَهُ خلاصي، خالِقي هُوَ ومُخَلِّصي ومَلْجَأي فلا أَتَزَعْزَع… تَوَكَّلوا عَلَيْهِ أَيُّها الشَّعبُ وَافْتَحوا قُلوبَكُم لَهُ لأَنَّهُ مَلْجَأٌ لنا في كُلِّ حين… لا تَتَّكِلوا على الظُّلمِ وبالاختِلاسِ لا تَكسَبوا” (مز62).
في هذه الظروفِ العَصيبَةِ، وفي كلِّ ظرفٍ، لَيسَ مَلْجَأٌ إلّا الله. الإنسانُ المَخلوقُ على صورَةِ اللهِ ومِثالِهِ لَمْ يَعُدْ إِنسانًا، لأَنَّهُ فَقَدَ إِنسانِيَّتَهُ عندما ابتَعَدَ عَنِ اللهِ وتَخَلَّى عَنِ المَحَبَّة: مَحَبَّةِ اللهِ ومَحَبَّةِ القَريب، وأَصبَحَ عَدُوًّا لأَخيهِ الإنسانِ، قادِرًا على افتِراسِهِ مَتى سَنَحَتْ لَهُ الفرصة. صورةُ اللهِ البَهِيَّةُ، التي خُلِقَ عَلَيها الإنسانُ، شَوَّهَتْها الخطيئة، بَدءًا من قايين، بالحَسَدِ والقَتل. الأنانيَّةُ عَمياء، لا ترى إلّا نَفسَها، وتُقصي مَن يَقِفُ في طَريقِها، فَكَيفَ إذا كانَت صِفَةَ الحاكِمِ الذي عَلَيهِ أن يَحكُمَ بالعَدلِ والمُساواةِ، وأن يتحَلَّى بالصَّبرِ وطولِ الأناة، والحكمَةِ والكَفاءَةِ ونَظافَةِ الكَفِّ واللِّسان؟ المؤسِفُ أَنَّ مُعظَمَ الحُكَّامِ، على مدى الكَون، يُفَكِّرونَ بِأناهُم قَبلَ التَّفكيرِ بِشُعوبِهِم، ويُقَدِّمونَ مَصالِحَهُم على المَصلَحَةِ العامَّة، ويُكَدِّسونَ الثَّرَواتِ على حِسابِ افتِقارِ مُواطِنيهِم. لِذَلِكَ، انْدَلَعَتِ الثَّوراتُ، وشَهِدْنا الانتفاضاتِ الشَّعبِيَّةَ على مَدى العُصور. لَكِنَّ الإِنسانَ لا يَتَعَلَّم. فَمُعظَمُ الحُكّام، حَيثُما كانوا في بلاد العالم، ما زالوا يَحكُمونَ بَعيدًا مِنَ العَدلِ والإِنصاف، ويتصرَّفونَ بثَرَواتِ بِلادِهِم باليَسيرِ مِنَ الشَّفافيّة، ويُقَرِّبونَ مَن يُوالونَهُم ويَمدَحونَهُم، ويُبعِدونَ مَن يَنتَقِدُهُم أو يُخالِفُهُم الرَّأي.
والمؤسِفُ أَنَّ إنسانَ بلدي ليسَ مُختَلِفًا. وما شَهِدناهُ في الأيامِ الأخيرةِ تعبيرٌ عن ألَمٍ واستِياءٍ ويَأس. رُبَّما يكونُ اللبنانيّونَ قَد تأخَّروا في التعبيرِ عن وَجَعِهم ورَفْضِهِم الحالَ المُزرِيَةَ التي يعيشونَ فيها، لكنّ بعضَ المسؤوليّةِ تقعُ على عاتِقِهِم، لأنَّهم إمّا ساهموا في إيصالِ هذه الطَّبَقَةِ الحاكِمَة، أو تقاعَسوا عن العملِ من أجلِ تغييرِها أو محاسبَتِها على الأقلّ.
مؤسِفٌ أَنَّ المسؤولينَ عندنا صمّوا آذانَهم عن سماعِ صوتِ الشعب، وتجاهلوا، على مدى السِّنين، أوضاعَه ومعاناتَه، ولم يَعملوا على تأمينِ أبسَطِ مُقَوِّماتِ الحياةِ الكريمةِ له من ماءٍ وكهرباءٍ وطُرقٍ آمنةٍ، نظيفةٍ، لا تغزوها النفايات، إلى التعليمِ وضمانِ الشيخوخة، وقَبلَهما مكافحةُ البطالَةِ، لكي يتمكَّنَ كلُّ رَبِّ عائلةٍ من تأمينِ لُقمَةِ العَيشِ لأبنائهِ بكرامةٍ.
شعبُنا تَعِبَ، إذ يُرهَقُ يوميًّا بزيادةٍ ضريبيَّةٍ من هنا، واضطِهادٍ قَمعِيٍّ من هناك. أصبحَ بلدُنا طبقَتَينِ اجتماعيتين: الفقراءُ جِدًّا أي الشعب، والأغنياءُ جدًّا أي المسؤولون، وتسألونَ لِمَ يثورُ الشَّعب؟ سَمِعنا في الأيّامِ الماضِيَةِ مسؤولينَ يقولونَ إِنَّه علينا أن نُضَحِّيَ جميعًا من أجلِ قيامِ الوطن. الشعبُ من جهتِهِ ضَحَّى ويُضَحّي كثيرًا، فماذا عَنكُم يا كِبارَ القَوم؟ هل تَجَرَّأَ واحدٌ منكم على المُوافَقَةِ على إلغاءِ معاشاتِ المسؤولينَ السابقينَ، كما في البلاد المتحضرة، الذينَ تركوا السياسةَ ويعملونَ في مجالاتِهِم الخاصّة؟ هل أقرَّيتُم خَفضَ أُجورِكُم بدلَ تخفيضِ مستوى عَيشِ المُواطنين؟ يقول يشوع بن سيراخ: “لا تَعتَمِدْ على مَكاسِبِ الظُّلمِ، فَهِيَ لا تَنفَعُكَ في يَومِ الهَلاك” (5: 8). بدلَ كاميراتِ مراقَبَةِ الطلّابِ أثناءَ تقديمِهِم إمتِحاناتِهم، هل تراقِبونَ طرقَ الموتِ وتزفّتونها وتُنيرونَها وتسدّونَ الحُفَرَ فيها، كي لا يَبكي الأهلُ أولادَهُم؟ هل تُحاسِبونَ المُجرِمينَ والقَتَلَةَ الذين نَسمَعُ كلَّ يَومٍ عن فظائعِ أعمالِهِم؟ هل تعاقبون من يمدُّ يدَه إلى المالِ العام؟ أو من لا يعملُ ويتقاضى راتباً؟ هل تؤمّنونَ خَدَماتٍ توازي ما تسلبونَه من جَيبِ المُواطِنِ مُقابِلَ تلكَ الخَدَمات؟ وفي النهايةِ تطلبونَ من الشبابِ ألّا يُهاجِروا وأن يَبقَوا في لبنان… لماذا يَبقَونَ في بَلَدٍ يموتونَ فيهِ على الطرقات وبالسرطانات؟
شبابُنا رَحَلوا. أصبحَ بلدُنا كَهلًا. كُهولُنا مَرِضوا، أصبحَ دواؤهُم عِبءًا. والباقونَ في الوطنِ يرزحونَ تحتَ رَحمَةِ مَن يَمنَعُ عَنهم الخبزَ، أو يَرفَعُ ثَمَنَ بَعضِ السِّلَعِ الضروريَّةِ من أجلِ رِبْحٍ أكبَر، والدَّولَةُ عاجِزَةٌ، بَل تَعمَلُ على سَلبِ ما تَبَقَّى في جُيوبِ اللبنانيِّينَ، وتفرضُ الضرائبَ على شَعبٍ مُعظَمُهُ عاطِلٌ عن العمل.
الإمعانُ في قَهرِ الشَّعبِ ظُلمٌ، والظُّلمُ يُوَلِّدُ الثورة. الشعبُ ما عادَ يحتاجُ إلى سلطانٍ يُملي عليه ولا إلى زعيمٍ يُقرِّرُ عنه. شعبُنا الحبيب تحمَّلَ كثيراً وصَمَتَ طويلاً لكنه ما عادَ يحتمِلُ أنْ تُهْضَمَ حقوقُه ويُصادَر قرارُه ويريدُ أنْ يقرِّرَ مصيرَه بنفسه دون إملاءات. لذا هو بحاجَةٍ الآنَ إلى حلٍّ جذري، إلى تصحيحِ السلوكِ السياسي، إلى قراراتٍ مَصيريَّةٍ يتَّخذُها المسؤولونَ لتَسوِيَةِ الأوضاع. يجبُ إعلانُ الحَربِ على الفَسادِ والفاسِدينَ وفَضحُهُم ومُعاقَبَتُهُم لِيَطمَئِنَّ الشعبُ ويَهدأ. وعِوَضَ فَرْضِ الضرائبِ على الشعبِ المَوجوع، أَعطوهُ أَبسَطَ حُقوقِهِ، وأَوقِفوا الهَدرَ والسَّرِقَةَ ونَهبَ المالِ العامّ، واعتَمِدوا الشفافِيَّةَ في كُلِّ أعمالِكُم. أوكلوا أمورَ الوطنِ لأصحابِ الإختصاص، شكّلوا حكومةَ إنقاذٍ مُصغَّرةٍ، غيرِ فضفاضةٍ، لتتخذَ التدابيرَ الإنقاذيةَ اللازمة وتخلّصَ لبنانَ من المأزق. أعيدوا الأموالَ المسروقةَ واضْبُطوا الإنفاقَ عوضَ فرضِ الضرائبِ وإرهاقِ الشعبِ الموجوع. هكذا تكونُ الجِدِّيَّةُ في مُعالَجَةِ الأُمورِ، وهكذا يَبْدَأُ الإِصلاحُ الحَقيقيّ. عودوا إلى تطبيقِ الدُّستورِ من دونِ استِنسابِيَّةٍ، واحتَرِموا القوانينَ والأنظِمَةَ لِيَحتَرِمَها الشعبُ مِثلَكُم. يقولُ كاتبُ سِفرِ الأمثال: “الشرّيرُ تُطيحُ به مساوِئُهُ، أمّا الصِّدّيقُ فتَحميهِ نَزاهَتُه” (14: 32).
عودوا إلى ضمائرِكُم وَاستَلْهِموا اللهَ في كُلِّ ما تَفعَلون، لأَنَّ التاريخَ سَيُحاسبُكم. الحكمُ مسؤولِيَّةٌ، وكُلُّ مسؤولٍ يُقَدِّمُ حسابًا أمامَ اللهِ وأمامَ شَعبِه، فَاحذَروا غَضَبَ الشَّعب.
أَمَّا أبناؤنا اللُّبنانيُّون فَلَهم نقول: التَّعبيرُ عَنِ الرأيِ حَقٌّ لَكم يَكفَلُهُ الدّستور، ومِن واجِبِكُم مُساءَلَةُ نُوَّابِكُم وحُكّامِكُم ومُحاسَبَتُهم. لَكِن كونوا في تَحَرُّكِكُم هذا حَضارِيِّين، ولا تَدَعوا غَضَبَكُم يَقودُ تَصَرُّفَاتِكُم. إِنَّ الاحتِجاجَ على الظُّلمِ لا يُبَرِّرُ أَعمالَ الشَّغَبِ والاعتداءِ على الأملاكِ العامةِ والخاصة، وعلى رِجالِ الأمنِ الذينَ هم منكم، كما لا يُبَرِّرُ الاعتداءَ على البيئةِ التي تعيشونَ فيها. (هنا لا بد من تحية الحشود التي تظاهرت برقي وحضارة في بعض المناطق). ليكن تحَرُّكُكم هادئاً، راقياً، سلمياً، على مستوى نُبْلِ قضيتِكم. حَرقُ النفاياتِ والإطاراتِ لا يُؤذي مَن تَثورونَ ضِدَّهُم، بل يؤذي صِحَّتَكُم وصِحَّةَ أولادِكُم، فَكونوا مُتَيَقِّظين وطالِبوا بِحقوقِكُم من دونِ أن تُؤذوا غَيرَكُم.
الطبيعةُ من خَلْقِ الله، وهذا ما نقرأُه في الإصحاحِ الأوّلِ من سفرِ التكوين. إلّا أنَّ اللهَ، بعدما خَلَقَ الإنسانَ، سَلَّطَهُ على كلِّ الخليقة، لكنَّ الإنسانَ فَهِمَ التَسَلُّطَ استِعبادًا، وأساءَ فَهْمَ سُلطةِ المحبّةِ التي غَرَسَها اللهُ فيه أساسًا لِسَيرورةِ العالم.
كلُّ دُوَلِ العالمِ المُتَحَضِّرةِ نراها تُحافِظُ على بيئتِها، بِحَيوانِها ونَباتِها، بِهوائِها ومائِها، وهذا لا تَقومُ بِهِ إِلّا لِكَونِها واعِيَةً تمامَ الوَعيِ أَنَّها إذا خَسِرَتِ البيئةَ، تَخسرُ مواطِنيها، إِمّا بالهجرةِ أو الموت. أمَّا لبنانُنا الأخضر، فقد تَفحَّم بيئيًّا بعدما فحّمَتْهُ الحروبُ وتَبِعاتُها إِنْ على الصعيدِ العُمرانيِّ أو الإقتِصادِيِّ أو الإنسانيّ. لقد تفحَّمَ الضميرُ الإنسانيُّ بسببِ اعتيادِه على فكرةِ عدمِ المُبالاة. فالدولةُ لا تُبالي بالمُواطن، والمُواطنُ لا يأبَهُ بالقوانينِ، والقوانينُ، إنْ طُبّقتْ، فَحَتمًا لا تُطَبَّقُ على الأقوِياءِ، بَل على المُواطِنِ الضعيفِ الباحِثِ عَبَثًا عن استقرارِهِ ولُقمَةِ عَيشِه. أصبَحْنا غارِقينَ في دوّامةٍ مِن عَدَمِ المُبالاةِ المُؤَدِّيَةِ إلى الموت. إِقتِصادُنا تَفَحَّم، عُمْلَتُنا تُنازِع، المؤسَّـــساتُ تُقــفَــل مُعلِنَةً الإفلاس، البَطالَةُ في تَزايُدٍ والمُواطِنُ لَم يَعُدْ يَحتَمِل، لِذَلِكَ شَهِدنا ما شَهِدناهُ مِن احتِجاجاتٍ وتظاهُراتٍ واعتِراضات. كلُّ ما يحيطُ باللُّبنانيِّ أصبحَ “خَرِبَةً خالِيَة” (تكوين 1: 2) كما قَبْلَ التكوين. إلّا أنَّ روحَ اللهِ كان يَرِفُّ فوقَ تلكَ الخَرِبَةِ الخالِية. أَمّا اليوم، فنحنُ لم نَعُدْ نَلمَسُ وجودَ اللهِ بينَنا، لأنَّ كلَّ شيءٍ تشوَّه، وما عادَ على الصورةِ البهيَّةِ التي خَلَقَهُ اللهُ عليها.
يقولُ الرسولُ بولس: «مُنذُ خَلَقَ اللهُ العالمَ، وَصِفاتُ اللهِ الخَفِيَّةُ، أي قدرَتُهُ الأزلِيَّةُ وأُلوهِيَّتُه، واضِحَةٌ جَلِيَّةٌ تُدرِكُها العقولُ في مَخلوقاتِه، فلا عُذرَ لَهم، إذًا» (رومية 1: 20). يوضِحُ الرسولُ أنَّ اللهَ يُدرَكُ من خلالِ خَليقتِه، تاليًا فإنَّ كلَّ خطيئةٍ يرتَكِبُها الإنسانُ تُجاهَ الخليقة، إنَّما هي موجَّهَةٌ تُجاهَ الخالق. الحرائقُ التي أدمعَتْنا مؤخَّرًا، أكانت مُفتَعَلةً أم لا، تَحمِلُ في طيّاتِها بُذورَ الخطيئة. إنْ كانتْ مُفتَعَلَةً، فخطيئةُ الفاعلِ عظيمةٌ، لأنّ تبعاتِها ستكونُ عليه وعلى أولادِه كما على الجميع. أمّا إنْ لم تكن مُفتَعَلَة، فالخطيئةُ هي أوَّلًا في عدمِ اهتمامِ الإنسانِ بنظافةِ بيئتِه، إذ نشاهدُه يَرمي القاذوراتِ عَشوائيًّا. ثانيًا يَقَعُ اللَّومُ على المشترِعينَ الذين لم يَلحَظوا تأديبَ كلِّ مُعْتَدٍ على الطبيعة. ثالثًا، الخطيئةُ في غيابِ الاستشرافِ والتخطيطِ والاستعدادِ لمعالجةِ كلِّ طارئ.
صحيحٌ أنّ على الدولةِ أن تحافظَ على أبنائها وتَرعى شؤونَهم. والحاكمُ الصالحُ والواعي لا ينتظرُ حلولَ المشكلةِ لكي يعالجَها، لكنَّ إلقاءَ اللَّومِ على الحُكَّامِ وحدَهم ظلمٌ، وما شَهِدناهُ بَعْدَ الحرائقِ من توزيعِ التُّهَمِ ليسَ موضوعيًّا لأنّ قسمًا كبيرًا من المسؤوليّةِ يقعُ على عاتقِ المواطن.
يا إخوةُ، لقد أصبحنا في زمنٍ تَطَوَّرَ فيه كلُّ شيءٍ، ما عدا الإنسان، الذي نراه يتراجعُ إلى الوراء. نحن مجتمعٌ تُشَكِّلُ فيه الزراعةُ وتربيةُ المواشي أساسًا، لذا يجب أن نكونَ مطَّلعينَ على نمطِ عَيْشِ الكائناتِ الحيّةِ التي تحترمُ كلُّها المحيطَ الذي تعيشُ فيه، وتنظّفُه، وتُبقيهِ لائقًا، فيا لَيتَنا نتعلَّمُ من تلكَ الكائنات! هل تسبّبتْ مرّةً واحدةً بأيِّ كارثةٍ بيئيّة؟ لا، لكنَّ جشعَ الإنسانِ، وغريزتَه الجانِحَةَ نحو القَتْلِ والدَّمار، لا تَأْلو جَهدًا عن إفناءِ أنواعٍ نادرةٍ مِنَ الطيورِ أو الزَّحَّافاتِ أو النَّباتات، تلك نفسُها التي سَلَّمَهُ إيّاها اللهُ عندما خَلَقَهُ لِيكونَ سَيِّدًا عليها. فصيدُ الطيورِ أصبحَ رياضةً ومُتعةً وتَسلِيَة، ولا يأبَهُ الصيّادونَ بالتنَوُّعِ البيئِيِّ وضَرورةِ الحِفاظِ على أنواعِ الطيور. أمّا قَطعُ الأشجارِ فلا رادعَ عنه، والبعضُ يستَبيحُ الغاباتِ من أجلِ المنفعةِ الخاصّةِ ولا عذابَ ضمير. هل يمكنُنا بعدُ أن نتغنّى بلبنانِنا الأخضر وقد يَبُسَتْ غاباتُنا وقلوبُنا واسودَّتْ؟ إنّ البيئةَ مسؤوليّةُ الجميع، مواطنينَ ومسؤولين والمُحافظةُ عليها واجِبٌ وَطَنيّ. العالمُ كلُّه يعاني من الحرائقِ بسببِ ارتفاعِ حرارةِ الأرض، وهذه نتيجةُ أعمالِ الإنسان. نحن أيضاً نَشهدُ سنويًّا حرائقَ تَقضي على ما تَبَقَّى من غاباتِنا، وأنا هنا لستُ في مَعرِضِ تَوجيهِ الاتِّهاماتِ، لكنَّ الحُكّامَ الواعينَ والمواطنَ المسؤولَ يجبُ أن يتَّعِظوا من الخِبرَةِ ولا يَكتَفوا بالكلامِ بل عليهم أن يُخَطِّطوا ويَستَبِقوا الأحداث. الإحساسُ الوطنيُّ والشعورُ بالمسؤوليّةِ وحدَهما يُخلِّصانِ وطنَنا من الكوارِثِ. أحياناً غضبُ الطبيعةِ يولِّدُ الحرائق، لكنَّ جشعَ الإنسانِ أو إهمالَه هما السببُ الرئيسُ لانتشارِ النارِ في غاباتِنا. فمَعَ إرادةِ مكافحةِ الحرائقِ، وهي ضروريّة، تَلزَمُنا إرادةُ مكافحَةِ الإهمالِ من رَميِ أعقابِ السجائرِ حيثُما كان، إلى عدمِ إشعالِ المواقِدِ في الأحراج، إلى عدم رَميِ الزجاجِ بينَ الأشجارِ، وغيرِها من الأمورِ البسيطةِ التي لا يُوليها الإنسانُ عندَنا أهمِّيَّةً، لكنَّها كفيلةٌ بإشعالِ الغابة. كذلكَ يَلزَمُنا إلتزامُ كلِّ لبنانيٍّ بزَرْعِ الأشجارِ بدلَ قَطْعِها لِتَعودَ طبيعتُنا إلى رَونَقِها ومُناخُنا إلى اعتدالِه.
في النهاية، أدعوكُم للصلاةِ من أجلِ وطنِنا. لا تَلعَنوه، لأنَّه ليسَ السببَ في ما وَصَلْنا إِلَيه. نحنُ السببُ لأنَّنا لا نَرغَبُ في الصلاحِ ولا الإصلاح. تَعلو أَصواتُنا قَبلَ الانتِخاباتِ مُطالِبينَ بالتَّغيير، ثمَّ نعودُ لِنرى الوجوهَ نَفسَها خارِجةً من صناديقِ الاقتراع. لِيَقُمْ كلُّ إنسانٍ بِواجبِهِ على أَكمَلِ وَجهٍ لِتَستَوِيَ الأمور.
صَلُّوا كَي يَبقى اللهُ حاميًا هذا الوطن، الذي يَرِدُ ذِكرُه إحدى وسبعين مرّةً في الكتابِ المقدّس. صَلُّوا كَي لا يَحترِقَ أرزُهُ المذكورُ سبعةً وسبعين مرّةً في الكتابِ المقدّس. صَلُّوا من أجلِ مُواطنينا وحكامنا، وَاغفِروا لهم سَبعينَ مرّةً سبعَ مرّات، فَهُم يَجهَلونَ ما هُم فاعِلون.
ألا حَفِظَكُمُ الربُّ إلهُنا الطويلُ الأناة، وحَفِظَ بَلدَنا الحبيب، وحَمى طبيعتَه، وأنارَ عُقولَ مَن تَوَلَّوا مسؤولِيَّةَ الحِفاظِ عليه، عَلَّهُم يَفهَمونَ أنَّ السِّيادةَ التي مَنَحَها اللهُ للإنسان، كانت سِيادةَ مَحبَّةٍ، لا سِيادةَ استعباد. وإلى هذا الشعبِ الحي، إلى شاباتِنا وشبابِنا أقولُ بوركتم وبُورِكت انتفاضتِكم. الحريَّةُ نعمةٌ من الله لا تفرطوا بها، والكرامةُ كنزٌ لا تتخلّوا عنه. حفظكم الرب وأعطاكم سُؤْلَ قلوبِكم. وأُنهي باللجوء إلى ما قاله ربُّنا في إنجيلِ مَتّى: “لِكَثرَةِ الإثمِ تَبرُدُ مَحَبَّةُ الكَثيرينَ ولَكِنَّ الذي يَصبُرُ إلى المُنتَهى فهذا يَخْلُص” (24: 13)، آمين”.

facebook.com/metbei

H αναδημοσίευση του παραπάνω άρθρου ή μέρους του επιτρέπεται μόνο αν αναφέρεται ως πηγή το ORTHODOXIANEWSAGENCY.GR με ενεργό σύνδεσμο στην εν λόγω καταχώρηση.

google-news Ακολούθησε το ORTHODOXIANEWSAGENCY.gr στο Google News και μάθε πρώτος όλες τις ειδήσεις.

Διαδώστε:
Ροή Ειδήσεων